أمينة العدوان شاعرة ملتزمة، تعلم تماماً أن القول نفسه فعل، ومن ثم فإنها تدرك ما لكلماتها من خطورة، بوصفها أداة اجتماعية تحملها المسؤولية أمام نفسها وأمام الآخرين، وهي في شعرها تقوم بالكشف عن بعض جوانب الحقيقة، وهذا الكشف قد جاء منطوياً على بعض التغيير باعتباره عملاً يراد من ورائه مخاطبة القارئ والتعبير عما يعتلج في نفسه فكلماتها مسدسات محشوة، وهي حينما تتحدث فإنها تطلق النار، نحو أهداف معينة، لا كطفل يطلق النار كيفما اتفق مغلقاً عينيه، مقتصراً على التلذذ بسماع أصوات الطلقات وهي تدوي في البعيد.
إن نظرة شاملة على دواوينها التي جعلتها في (الأعمال الكاملة) تؤكد أنها تعزف لحن الوجدان العربي، معبرة عن همومه، مواكبة لقضاياه ناطقة بنبضات إحساسه من أول ديوان (وطن بلا أسوار) حتى آخر ديوان (غرف التعميد المعدنية) وهي ملتحمة بقضايا الوطن، مستشرفة ذرى أحلامه، ولم يكن التحام الشاعرة بقضايا الوطن وبحاجته المصيرية مجرد هتافات وشعارات صاخبة وإنما جاء رؤية شاعرية تنفذ إلى الداخل وتتعانق مع مشاعر الإنسان وأحلامه في عالم يعيش بلا ظلم أو قهر.
وقد تبلورت رؤيتها الفنية من خلال بناء بسيط الصورة ولكنه عميقها عذب الأداء، ولكنه مركب التعبير، تبدو وراء بساطة صورها معاناة فنية حادة وإحساس يعرف كيف يعبر من خلال البساطة ويكشف عن طريق الوضوح، توصل ما تريد بيسر فتدخل كلماتها الوجدان مباشرة، وصورها هي ما نحس به، وحتى ما نجهله فينا نكتشف أنه كان بين أيدينا، ويبقى لها بعد ذلك خصوصيتها في التوصيل وتفردها في العزف.
وقارئ الأعمال الشعرية لأمينة العدوان، يرى أنها شاعرة متمردة رافضة لواقع اجتماعي هي على عدم اتفاق معه، بينما روحها تتطلع إلى واقع يحقق لها ما تصبو إليه من الكرامة والعزة تقول:
ارتدى قناعاً في اليوم الأول
التف الناس حوله
وارتدى قناعاً في اليوم التالي
والتف الناس حوله أكثر
ارتدى قناعاً في اليوم الثالث
التف الناس حوله أكثر فأكثر
وحينما خلع القناع في اليوم الرابع
بقي وحده
ولم يعد يرى وجهه
فقد أصبح قناعاً
هكذا نرى أمينة العدوان شاعرة متمردة على الواقع بكل ما فيه من سلبيات وتناقض وزيف، فنراها تكثر من عرض الصور المتنافرة فتضغط على مواقع الألم حتى ينز منها الدم.
وقد أقضها ما تراه من الأمور الخاطئة التي تتحكم في أخلاق البشر حيث يرون الأشياء بمنظار معكوس، فيسمون الأشياء بغير أسمائها، إنه الزيف والادعاء والشعارات الجوفاء تقول:
أذهب إلى ملعب رياضي بربطة عنق
وأصبح رياضياً
أذهب إلى العمل بحقيبة عنق
وأصبح عاملاً
أذهب إلى قاعة مكتبة بمكرفون
وأصبح مثقفاً
أذهب إلى عدوي بغصن زيتون
وأصبح بطلاً
أذهب إلى الوطن بكاميرا سائح
وأصبح مواطناً صالحاً
كلمات صادقة متوهجة أشبه ما تكون بكرة ملتهبة تلقى في كهف مظلم وهكذا نلمح في شعرها حبها العميق للوطن وأهله، والأحاسيس النابضة والصور الحية تقف إلى جوار قيم الخير والشرف والوطنية معبرة عن أحلام البسطاء ومعاناتهم.
وهي محاصرة، يثقل كاهلها ما يحدث حولها من أمور تسير كعجلة صانع الفخار بشكل معكوس تقول في مقطوعة (مسيرة)
رجل مشلول قال
اليوم
ستبدأ مسيرتنا
أما الصور المتناقضة لواقع متناقض، تصادر فيه الحقيقة، فيرتفع صوت البطل تقول:
أعطاه لساناً وسيفاً وقال له:
اقتله وهو يصلي
وقل للناس
لقد قتلته
لأنه لا يصلي
ولأنه أحرق
سجادة الصلاة
وتتكرر الصورة في فضح الزيف والادعاء الكاذب، مما يؤكد على أن الشاعرة متوترة المشاعر محترقة الأعصاب، مما يؤكد ما قاله أحد النقاد: “أن الفنان – أي فنان – لا يستطيع أن يحتمل الواقع لأن طبيعة الفنان أن يضيق ذرعاً بالعالم”.
وضعوه في زنزانة
نشروا صورته في حديقة منزله
وضعوه مكبل اليدين
نشروا صورته بأجنحة
رأوه عابس الوجه
نشروا صورته يضحك
سمعوه يتكلم
نشروا صورته بدون كلمات
قتلوه
نشروا صورته
وهم يشيعون جنازته
حين تغشى السحب الداكنة، ويغيب الضمير، وتغلق أبواب المسؤولية، تتحول الأشياء التي وجدت من أجل إسعاد البشر ومن أجل الحياة والبناء إلى معاول هدم تقول:
المطافئ تزيد
من إشعال الحرائق
سيارات الإسعاف
تقتل المرضى
رجال الإنقاذ
يزيدون عدد الغرقى
القاضي يزيد عدد القتلى
يطلق أحكاماً ملفقة
تدين الأبرياء
تبرئ القتلة
تصبح الأسماء أسماء أخرى
والوجوه وجوهاً أخرى
والحقيقة كانت رحلة ممتعة قضيتها مع الأعمال الكاملة لأمينة العدوان لأنها كانت صادقة مع نفسها مفعمة بحرارة التجربة والمعاناة، فقد حاولت أن تسير وها هي تسير سيراً صحيحاً بلا تعثر أو ارتداد.
قلت وأنا أكتب أول قصيدة
سأتعلم أن أسير خطوة
إلى أن أتقن خطواتي
وأتعلم أن أسير
سيراً صحيحاً
تحية تقدير لأمينة العدوان راجياً أن أكون قد وفقت ووفيت.