مجتمع .. و أمينة العدوان .. و ديوان فقدان الوزن

الدكتور عبد الرحمن ياغي

كنت قد بلغت الفصل السادس في الشعر الغنائي من كتاب (نظرية الأدب) تأليف عدد من الباحثين السوفييت المختصين بنظرية الأدب و الأدب العالمي ترجمة الدكتور جميل نصيف .. ووقفت عند فكرة أساس الشعر الغنائي الذي يتمثل بالفكرة المتوترة بصورة انفعالية، التي تصاغ في صورة لفظية خاصة، في صورة من المعاناة البشرية، و ليس مجرد شكل من أشكال الاستعداد للاضطراب .. لأنهم يعتبرون صورة المعاناة أساساً للأدب الغنائي في فن القول … ذلك لأن هذا الأساس يعتبر بداية الإبداع في هذه المادة الأدبية.

 

إن المزاج الأساسي للنفس يستطيع أن يكون غامضا جدا .. غير محدد .. انه يتحول إلى معاناة غنائية و ذلك فقط عندما يتم التعبير عنه .. أما التعبير فهو فعل من أفعال الإبداع .. انه إعادة صياغة هادفة (للخامات)

 

ثم ، كم قد سمعنا من حكايا و حكايا، كيف يعيش الناس على أعصابهم و كيف  أن أمنهم، و عملهم، و كرامتهم، قائمة كلها (على شعرة)! ، و أن كلمة توضع في ملفاتهم كافية (لشربكتهم) و (لتلبكهم) و (لمرمتطهم) و لضياع مستقبلهم التثقيفي !! و كيف أن أحدهم أخرج عنوة من داره في (واق الواق) فألقي به في (ويق الويق) لا لشيء إلا لانه يحب وطنه بطريقة تخالف الطريقة التي يريدها المسؤولون في الدارين!!
و ليس هناك للضمائر من صحوة تحمي أمن الناس و حقوق الناس و كرامة الناس و طمأنينة الناس!! إنه مجتمع شركات التأمين لا مجتمع الأمان !!!

 

هذه الزوايا في الواقع الاجتماعي لا تخلق مناخاً للمودة و التراحم و الترابط، بل تمزق العلاقات، و تؤدي إلى التخاصم و التصادم و التناحر و المعاناة.

و أشهد أن أمينة العدوان على بينة من هذه الزوايا و ما يتحرك فيها من ضروب الإيذاء و ما (ينغل) فيها من جراثيم التفكك، و هي تعاني من هذا الأذى دون أن يشعر المؤذون بخطورته. و هي لا تملك من أمرها شيئاً في دفع هذا الأذى إلا الإبداع في المادة الأدبية، و إلا المعاناة الغنائية.

 

كما أننا لا نملك إلا الانعطاف عن هذا الإيذاء و مواصلة العمل الثقافي و تجنب إضاعة الوقت في عبث الوقوف في وجهه و إلا تركنا الكتابة و القراءة و التدريس ووقفنا عند الفصل السادس لا نتجاوزه إلى الفصول الكثيرة الأخرى من الكتاب الذي بين أيدينا

 

و من حسن الحظ أن تثمر هذه المعاناة لدى أمينة العدوان مجموعات شعرية من المعاناة الغنائية ، و هي معاناة غنائية ممتعة ، انها غنائية تتدفق فكراً نقياً ناصعاً و رؤية اجتماعية نافذة، و نبضاً عاطفياً متوهجاً و حرصاً على مجتمع مترابط كريم حر ديموقراطي، لا تتمزق فيه الحبال.

و كل هذه المزايا نجدها في مجموعاتها الغنائية (وطن بلا أسوار) و (أمام الحاجز) و مجموعتها (فقدان الوزن) . و أختار من مجموعتها الأخيرة فقرة شعرية بعنوان (تفكك):-

في الغرف المزدحمة

حيث لا يفصل البشر المسافات

الأيدي لم تعد تصافح الأيدي

الوجوه كقطع الشطرنج

تفصل الوجوه عن الوجوه

المربعات

الطعنات الكثيرة

الجدران القذرة

الكلمات المتقاطعة مع الكلمات

الألوان المختلطة

الخطوات الخاطئة

يسلمون رؤوسهم

و حين سألوا : رأس من سلمت

وضعوا مع اللحوم المقددة في ثلاجات
(فقدان الوزن ص 35)

 

و مثل هذه الفقرة فقرات شعرية كثيرة تشير إلى زوايا الإيذاء