(أمام الحاجز)
لا أريد أن تكون كلمتي عن كتابات أمينة العدوان مجالاً للخوض في الشكل الفني، فيما بين أيدينا ليس شعراً ولكنه نمط أدبي يشبه الشعر، فيه من الصور الشعرية ما يذهل ويصعق ويدعو للتوقف عنده لحظات للتأمل.
وفيه من التوهج والحرارة والانتماء المحترق إلى هذا الوطن المحترق. الشيء الكثير، إن أمينة العدوان في كتاباتها الأخيرة وخاصة هذه التي ظهرت بعد حرب الإبادة الصهيونية في لبنان هي فنانة حقاً تحترق من الداخل فتخرج كتاباتها هذه دخاناً لا يؤكد الحرائق فحسب ولكنه يؤكد معايشة الكاتبة لقضايا وطنها وأمتها المدمرة المهانة.
بعض مقاطع هذه الكتابات كانت مجرد كوابيس مرعبة وهل الواقع العربي الراهن أكثر من كوابيس يعجز السليم عن استيعابها والاحتفاظ بتوازنه في الوقت نفسه.
رجل يلقي أباه إلى العراء
مقاتلون يحملون البنادق أمام مروج خضراء
خلع خوذة المواطن وارتدى خوذة الأعداء
بنادق الأعداء تحاصر أضرحة الشهداء
مصلون يسيرون نحو المعابد النانية
رجل يحمل ابنه المقتول
ويشير بقبضته مهدداً
طفلة تركض ودمعة طريدة على خدها
هذا المشهد شبه السريالي لا يختلف كثيراً عما يحدث في الراهن العربي، حين كانت بيروت تحاصر ومخيمات اللاجئين في جنوب لبنان تتعرض للذبح والسلب وانتهاك الأعراض وعملاء إسرائيل في لبنان يخلعون خوذ المواطنين ويرتدون خوذ الأعداء، وآبار النفط كانت ما تزال تتدفق لتملأ مخازن الطائرات والدبابات التي تذبح الطفولة والحياة والحضارة في لبنان.
كتابات أمينة العدوان في (أمام الحاجز) ليست مجرد كوابيس تفضح عفونة الواقع العربي ولا معقوليته ولكنها كذلك صرخة تتدفق غضباً ولوعة واحتراقاً. إنها دموع الثكالى في صبرا وشاتيلا ودماء الأطفال الذين ذبحوا وظلت دماؤهم على الحيطان لا تغسلها الدموع ولا الجرافات ولا المقابر الجماعية، إنها الفجيعة التي ظلت تحوم في أزقة صبرا وشاتيلا، عويل النساء وصراخ الأرامل واستغاثة الطفولة وهي تذبح ببلطات الجلادين الصهاينة وأعوانهم ممن لبسوا خوذات الأعداء.
كل يوم أسير في مخيم صبرا
كل يوم أزرع الزهور
على قبر ابني
…………
على جدار منزله قتلوه
أمسكت رأسه المهشم بيدي
خطوط الدماء تغطي الحائط
لا أغسلها
لا أزيلها
…………
هذه دماء ابني
كل يوم أمسح دمعة لا تجف
كل يوم لا أنسى لا أغفر..
كل يوم أرى وجه القتيل
تلك هي الصور التي تقدمها أمينة العدوان في كتابات أمام الحاجز إنها الحزن اليومي الذي يرفرف فوق هذا الوطن ويظل يمتد من دموع بقايا المذبوحين في لبنان إلى دماء من يذبحون كل يوم في الخليل والبقاع وسائر أنحاء هذا الوجع العربي الكبير!.