يوسف حمدان
في النسيج المصادر
في المتحف المغلق
في الثوب المسروق
في المسرحية الموقوفة
في الكتاب المصادر
في الأغنية الممنوعة
في القرى المهدومة
في المعتقل
في قبور الشهداء
في العلم
في الكوفية
في الحجر
في هؤلاء
يكون الوطن
أمينة العدوان من أديبات الأردن المعروفات اللواتي يفرضن على قرائهن احترامهن لأكثر من سبب، ويكفي أن نقرأ أعمالها الشعرية بمضامينها الإنسانية الوطنية لنعرف كم هذه الشاعرة الأديبة مغروسة في هم الوطن والقضية، ويعتبرها محمد المشايخ صاحب الدراسة المعنية من أبرز رائدات الأدب المعاصر في الأردن والوطن العربي.. فالكتابة عندها وخاصة الشعرية منها ليست ترفاً فكرياً ولا بذخاً أيديولوجياً.. إنها (والكلام للمشايخ) الخندق الوطني الذي استبدلت به الأبراج العاجية في الحياة عندما نزلت بمضمون قصائدها إلى الشوارع العربية مرفوعة الهامة والجبين.
دواوينها ثمانية.. التزمت فيها بالهم الوطني المعجون بصرخات الإنسانية المعذبة.. والتحدي الصلب، الذي يفل حديد وقضبان القهر.. وظلم الإنسان للإنسان.
في الكتاب مقدمة كتبتها الشاعرة أمينة العدوان عن صورة الشهيد في تجربتها الشعرية، جاء فيها: “في وطن يستيقظ مواطنوه في الصباح على صوت جرافة قادمة، يتساءلون: ماذا سيأخذ هذا الغريب اليوم؟ السرير، أم البيت، أم المزرعة، أم المصنع، أم كوب الماء، أم صحن الطعام؟؟
أما صاحب الدراسة الزميل محمد المشايخ فقد تحدث في 116 صفحة من الكتاب عن مضامين شعر أمينة العدوان.. معتبراً أن ما لا يقل عن 95% من شعرها يقع ضمن مصطلح أدب المقاومة، وهو المصطلح الذي غالباً ما يرتبط بالشعوب المغلوبة التي تتعرض للعدوان الخارجي.
ما دامت قرى فلسطين
وبيتي
هي التي تهدم
وأن أراضي هي التي تُسرق
وتصادر..
وما دام أولادي ينامون في العراء، في
الخيمة، على الرصيف، ينامون على
الأرض، تحت الشجر..
سأبقى أتحدث عن أراضٍ صودرت..
وبيوت هدمت..
وقرى أخليت..
وعن أبناء وطني الذين يطردون
من أوطانهم في ساعات الليل المظلمة..
كثيرون كتبوا قصيدة النثر، إلا أنها هنا عند أمينة العدوان ذات لون خاص وملامح متميزة كرستها الشاعرة كمدرسة خاصة بها.. فقصائدها بصمات وضربات قلب فيها غضب وعنف، ودماء حارة، وفيها أسى وحزن ووعيد.. كلمات قليلة ولكنها مركزة وفاعلة فيها صور متلاحقة لا تبتعد عن المحسوس والواقعي الذي تحمل همه الشاعرة.. فاقرأوا معي:
ما أجمل موته..!!
جعل من الموت حياة..!!
وفي قول آخر:
يدي ليست خاوية..
يرى فيها العدو المدن وهي تزدحم
بالسكان..
وقول ثالث:
أرى الوطن العربي ركاماً، تراباً
حجارة..
فكلمة الحجارة هنا هي الصورة النهائية لما آلت إليه حال الوطن العربي أي “الانتفاضة”.
وأزعم أن القراءة السطحية لأشعار أمينة العدوان لن تحقق الهدف ولن تفيد القارئ ولا الشاعرة.. فإن تحت الغلالة الرقيقة هذه أعماقاً مليئة بنفائس الصور والمعاني التي لا يصل إليها إلا من يتفكر وهو يقرأ الـ (616) قصيدة القصيرة التي تضمها دواوين أمينة الثمانية..
وبقي أن نشكر زميلنا وصديقنا الطيب محمد المشايخ على جهده الملحوظ في وضع هذا الكتاب المفيد الذي لا غنى لنا عنه إذا نظرنا باهتمام إلى أشعار الشاعرة كينبوع للحس الوطني والإنساني المقاوم!.