في دراستين نقديتين تضم كل منهما ما بين مئة ومئة وخمسين صفحة، من القطع العادي، تحاول أمينة العدوان(*) الناقدة الأردنية، تغطية النتاج الأردني من شعر ومسرح للكبار ومسرح للصغار، إلى جانب الرواية العربية المعاصرة في الأردن ومصر وفلسطين.
لكنها تذلل الصعوبات التي تعترض هذا المشروع الضخم بانتهاج طريقتين، الأولى أنها تقتصر في الدراستين على أدباء الستينات وبداية السبعينات، الذين عمدوا إلى شق طريق جديدة، واتجهوا في تفكيرهم اتجاهاً قومياً خالصاً، عقيب نكبة 1967، مستوحين الأيديولوجيات المتشبعة بالمبادئ الوجودية واليسارية، ومن خلالها يهاجمون ظلم البشر وأطماعهم وعبثية تصرفهم، كما يمعنون في تشريح أوضاع المجتمع العربي ومظاهر تخلفه وانحلاله.
أما الطريقة الثانية فهي التزامها أسلوب الاختصار والإيجاز بحيث يراوح نقدها للعمل الأدبي بين خمس صفحات وعشر تتناول عرض المضمون، تحليل الشخصيات، نقد الأسلوب والإخراج المسرحي بفنونه ومستلزماته جميعاً.
تبدو المؤلفة حسنة الإطلاع على الأدب العربي المعاصر الذي استوحاه قسم كبير من المؤلفين في الدراستين، أدب كامو، سارتر، همنغواي، يونسكو، أونيل، ميلر وغيرهم، ويبدو كذلك إطلاعها على تقنية القصة الحديثة والمسرح الحديث وأصول إخراجه ومدارس النقد ومصطلحاته الشائعة.
تقول مثلاً في الفرق بين المسرح “التقليدي” والمسرح المعاصر (ص ودراسات في الأدب الأردني المعاصر) أن الأول يعرض مشكلة ويحلها، بينما يقدم المسرح الطليعي حدثاً لا معقولاً يكثفه عن طريق التنويع في الشخصيات والحوار في الموضوع ذاته، باللجوء إلى الصور الشعرية المتتالية، فهو يضع محل الأحداث التي تسير في خط مستقيم – مشكلة تأزم حل – بناءً دائرياً يتكثف عن طريق المواقف، حيث تصبح النهاية كالبداية. وبدلاً من إثارة انفعالات الجمهور، يحاول يونسكو أن يقدم صورة من التصرفات اللامعقولة التي يقوم بها أشخاص مسرحيته أو من العبارات اللامعقولة كما في قوله: “لا يهم أن يكون بدون رأس ما دامت هناك عبقرية”.
أكثر المسرحيات المنقودة في “دراسات في الأدب الأردني المعاصر” وفيها المسرحيات الخاصة بالأطفال، هي أعمال مترجمة حرصت المؤلفة على نقد إخراجها بما فيه من محاسن ومساوئ وتناولت بالنقد الموسع المسرحيات القليلة الموضوعة “ظلام في عين الشمس” لأمين شنار، تقول إنها بداية حسنة في ما تقدمه من عرض للواقع، تحليل للشخصيات، إبراز لعالمها الداخلي، استخدام للرموز مثلاً المغارة المظلمة المقفلة التي ترمز إلى نفسيات الأبطال. تنقد الديكور، الإضاءة، التمثيل، الأغاني، تطور الأشخاص والحل المقترح وتقول في الخاتمة: “كلما وقعت عيناي على اللافتة المكتوب عليها “المسرح الأردني” لا أستطيع أن أخفي الغبطة التي أحسها.
كذلك في عرضها لمسرحية “الضباع” التي وضعها محمود الزيودي وأخرجها مهدي يانس، تجيد تحليل الشخصيات، تنتقد التركيز على صفة واحدة في كل منها، الانتقال المفاجئ، تشابه الشخصيات، موقفها الخاطئ في التنصل من المسؤولية وإلقاء تبعة خطأها على غيرها. تستحسن استخدام الرمز الأرض، الشجرة، الضياع، الأشباح، وتستهجن الخلط بين الرمزي والواقعي (ص ) تنقد التمثيل، الإضاءة الديكور وتقول أخيراً أن المسرحية نص محلي، محاولة تشق طريقاً ما زلنا في بدايته”.
في دراسة القصص والروايات، تختار مجموعة منوعة لروائيين وقاصين أردنيين، عراقيين ومصريين. منها قصص ترفض وضع المرأة وما هي عليه في الأقطار العربية من تبعية وتحقير: “الحب والصمت” لعنايات الزيات. “لم نعد جواري لكم” لسحر خليفة. في “الحب والموت” لرشاد أبي شاور، تنويه ببطولة الشعب الفلسطيني في مقاومته الاستعمار. في “الأشجار واغتيال مرزوق” للدكتور عبد الرحمن منيف، حكاية بطل “يرفض محاولات الإلغاء والاستلاب والسطو التي تبذل لمصادرة قناعاته وحريته ومسؤوليته” فيها أيضاً رفض الشخصية الازدواجية الشائعة في مجتمعنا العربي، المتمثلة في التناقض بين القول والفعل، بين التفكير والمسلك، رفض العلاقات الاجتماعية الجائرة التي نرى فيها الشخصيات المسحوقة، بدلاً من أن تقمع من يقمعها، تلجأ إلى قمع شخصيات بريئة، تستطيع قمعها من غير خسارة أو تدمير يلحقان بها. عدا عرض المضمون مفصلاً، تنقد المؤلفة أسلوب القصة الخطابي التقريري، التفسير والتوضيح، الشتائم واللعنات التي تظهر خيبة البطل وخديعته في عالم يبين له مقدار تفاهته وضعفه.
رواية “الضحك” لغالب هلسا، تحلل مصير الشخصيات في مجتمع مبني على القمع والاضطهاد الاجتماعي، والسياسي والفكري، الضحك هو الرواية مزدحمة بالأتباع والانتهازيين ومزدوجي الشخصية وبالشهداء والذين يهربون من الواقع بالجنون أو بالانتحار، الضحك هو السلاح الذي تشهره الشخصية حين تواجه حقيقة ترفض أن تعترف بها فتتحول إلى شخصية عاجزة يسيطر عليها الرعب الرواية تسجل بدقة وتفصيل كل القوى التي تؤدي إلى إلغاء الإنسان في مجتمعنا.
دراسات أمينة العدوان تبغي التعبير عن وعي جديد وعميق لمشكلات الشخصية العربية، يجسده التطور الحالي في القصة والمسرحية العربية، باقتحامها دروب الرمز واللامعقول، أي الدروب الصعبة في هذين الفنين.
عبرت المؤلفة عن هذا الوعي باعتماد طريقة التحليل النفساني والتؤكد على عبارات، ومصطلحات تحليلية مثل الإحباط، الإسقاط، الاستلاب، إلغاء الشخصية، القهر والمعاناة، الرفض السادية المازوشية إلخ.
من محاسن أسلوبها في النقد وضع خلاصة جامعة، بأحرف بارزة سوداء في آخر كل فصل، تسهل على القارئ استيعاب المضمون وحفظ نقاطه الأساسية.
عدا التطور الحديث البارز في القصص نلمح من خلال الدراسات بوادر نهضة مسرحية في الأردن. يدعمها الوعي الشعبي والاهتمام الحكومي، ويمهد لها إنشاء مسرح الأطفال للفن المسرحي في هذه البلاد.
من المأخذ على هذه الدراسات أولاً أن المؤلفة تنعت شعر إبراهيم طوقان ومجايليه “بالتقليدي” كما تعتبر المسرح السابق ليونسكو مسرحاً تقليدياً مع أن المرحلة التي سبقت اللامعقول مباشرة كانت في حين ظهورها تجديدية. إبراهيم طوقان كان مجدداً على طريقة شعراء المهجر وسائر من تأثر بهم. والتجديد لا ينحصر في مذهب المعاصرين الذين لا بد أن يملهم الناس بعد قليل فيفسخوا لتطور آخر جديد، سيصبح هو بدوره قديماً. لأن ميزة الفن استمرار التطور أو الجمود والموت- وكل قديم كان جديداً حين ظهوره.
ثانياً أن أسلوب السرعة والاختزال الذي تعتمده أمينة العدوان وتقصد به نبذ الكلمات النافلة وجعل اللفظ على قدر المعنى، يسوقها أحياناً إلى بتر المعنى وإهمال توضيحه. أو إلى إهمال العناية بالصياغة والتغاضي عن أخطاء لغوية قد تكون المطبعة مسؤولة عنها. كذلك من مظاهر ضعف الإخراج إهمال الإشارة إلى تواريخ صدور الكتب وأماكن صدورها.
على أن المأخذ، على قلتها، لا تضعف قيمة هاتين الدراستين في تعريفنا بالنهضة الأدبية المتعددة الوجوه التي تتمخض بها الأردن، ويسعى أدبائها للجمع المتوازن بين التركيز على مشكلات البيئة وتحسين حاجاتها من ناحية، والاغتراف من ينابيع الثقافة الغربية ووعي تطوراتها الحديثة من ناحية أخرى.
حول مقالات في الرواية العربية المعاصرة
د. عصام موسى – جريدة الرأي
تقول أمينة العدوان في مقدمة كتابها – مقالات في الرواية العربية المعاصرة – أن السمة المشتركة بين كافة الأعمال التي تناولتها بالتحليل هي تقديمها – أي الأعمال – لرؤيا نقدية وواقعية للمجتمع العربي بكل ما يزخر به من قضايا اجتماعية وسياسية وانعكاس هذه القضية على بناء الشخصية وطرائق تفكيرها، وسبل تصرفها، وتباين مواقفها، ثم تضيف في نفس المقدمة قائلة إن ما يوجد وما يجمع بين هذه الروايات هو تصوير العقم الذي تتحول إليه الشخصيات نتيجة القمع الذي تلقاه من المجتمع فالشخصيات أمام عدم اقتناعها بواقعها – لا تجد سوى اللجوء إلى الهرب منه – المجتمع .. أو الاستسلام، والتقوقع، الآلية الزيف الخيانة، الانتقام، أو اللامبالاة به.. وجميعها مواقف تؤدي إلى خلق شخصيات عاجزة تتحرك بدون إرادة وليس لها مطامح سوى البقاء.. وتسمي الناقدة هذه الشخصيات بالشخصيات البديلة التي تعكس السلبيات التي تكون الواقع العربي، ومصائر الشخصيات البديلة مصائر تدين الواقع العربي.
بهذه النبذة الواعية النيرة المتفهمة تقدم الناقدة كتابها الثالث في مجموعة كتبها التي أصدرتها حتى الآن. والكتاب دراسات نقدية لثماني عشرة رواية عربية معاصرة صدرت جميعها في العقدين الأخيرين من قرننا هذا.
القارئ لهذا الكتاب، أو بعضاً منه، يلمس مقدرة أمينة العدوان في معالجاتها النقدية، والتي تقوم على استعدادات متباينة من الثقافة، والحس النقدي الأصيل الصادق، ووضوح الرؤيا، ومعرفة قواعد النقد الحديث، وممارساته ونحن نقدر هذه المدلولات جميعها، خاصة وحين نرى ساحة النقد الأدبية التي تغص بالنقاد الشبان في مجتمع المفكرين، تكاد تخلو من النقاد الشبان الجادين، إلا أولئك الذين نصبوا من أنفسهم نقاداً – بالقوة – فأخذوا في إصدار الأحكام ذات اليمين وذات الشمال، يصنفون الكتاب، ويصفون فلاناً بالكاتب الاشتراكي، والآخر برجوازياً، والنقد الصادق أبعد عن هذا كله.
المنهج النقدي:
أمينة العدوان غير هؤلاء هي لا تصنف، ولا تتهم، ولا تدعي، أمينة دارسة ناقدة: تقرأ العمل الأدبي، تتفهمه وتتمثله وتدرك قيمته، تتفهم الدوافع التي جاءت به، فتدرسه من ناحية علاقته بالمجتمع. تدرس الشخصيات وتحللها، وتبين علاقة الشخصيات ببعضها، وعلاقتها بالأحداث التي تيسيرها، وردة الفعل التي تتركها الأحداث في نفوس الشخوص وهي في هذا واعية كل الوعي لواقع ما تنقد واتصاله بالمجتمع والإنسان.
من هنا نحس بصوتها الغاضب يكاد ينبعث من بين كلماتها الناقدة يرفض هذا الواقع الذي يصور عجز الإنسان العربي وتقوقعه وانهزاميته. هذا الغضب الذي يبلغ الحدة. أو يكاد حين يتحدث عن الشخصيات النسائية – بنات جنسها – في مختلف الروايات التي تناولتها بالنقد:- المرأة في المجتمع المتخلف هي حرمه، ومخلوق أدنى ناقص العقل والتفكير، لذا يجب معاملتها كالبهيمة وأن تضرب كما تضرب الحيوانات – ص7 – أنت منذ اليوم – أو – .. المرأة السخيفة التي تعيش على الاغتياب والثرثرة – والمرأة التي تعتنق القيم الخاطئة السخيفة والقيم المنحلة، سخرية الزوجات من الزوج الذي يحارب العدو.. – ص – الضحك -.
سمة أخرى تميز نقد أمينة العدوان وهي قدرتها على التكثيف ففي جمل تبدو مبتسرة مبتورة أحياناً تقدم فكرة كاملة في إطار حي ديناميكي تتبعه نقلات سريعة رشيقة في الأفكار من موضوع لآخر، جميعها تستدعي التركيز الشديد أثناء القراءة، وحين يظن المرء أنه كاد يفقد الأثر المتصل، يفاجئ بعد أسطر قليلة بالكاتبة تقوده إلى استنتاج منطقي تربطه مع الاستنتاج العام، لينتهي ذلك كله في خاتمة شاملة تقدم لك رأي الناقدة بالعمل كاملاً : أمثلة على ذلك نقتطفها عشوائياً :- أن رواية – أنت منذ اليوم – تقييم أخلاقي لمرحلة تاريخية يائسة مرت في حياة الشعب العربي – ص ، أو – أدان غالب هلسا في رواية الضحك كافة القوى التي تؤدي إلى إلغاء الإنسان – ص – أو – قدم إسماعيل فهد إسماعيل في رباعيته صورة عن مؤسسات المجتمع العربي: الشخصية عاجزة – العلاقات كاذبة – البدائل تبريرية – والحلول – الكل مدان: المؤسسات مدانة لأنها تحمل مسؤولية التحطيم والقضاء على الأفراد – والشخصيات أيضاً مدانة باستثناء الشخصية التي تتخطى استلابها ومصادرتها وتبتدع بدون كذب أو تساقط أو هروب حياة تتجانس مع حقيقتها وتنسجم مع قناعاتها. ص .
وحين تتحدث أمينة عن رواية سحر خليفة – لم نعد جواري لكم – تشير بذكاء في معرض حديثها عن العمل الفني، إلى عيب وقعت فيه الكاتبة في بنائها الروائي دون أن تجرح الكاتبة أو تنقص من قيمة عملها الفني. تقول أمينة – كما أن كثرة المناقشات في الرواية عن مساواة المرأة بالرجل التي تحولت إلى دروس أخلاقية ومقالات أدبية في الفن والأدب وسعت على حساب البناء الروائي حيث أن هذه المناقشات لم تساعد على تطوير الأحداث ونمو الشخصيات إلا أنها في النهاية تطرح في بعض المواقع في الرواية قضايا اجتماعية مرتبطة بالزمن الآني والواقع الذي تشاهده الشخصيات – ص -.
أمينة العدوان ناقدة حصيفة تستحق التقدير، هي صوت حي غاضب أحياناً، متلون سريع الإيقاع أحياناً، وبطيء واضح جداً أحياناً أخرى. ورغم أنه يرفض في أحيان كثيرة أن يتقيد بالأصول المتعارف عليها في الترقيم – ربما كان ذلك خطأ مطبعي -، إلا أن هذا الصوت الأجمل لا يتورع عن أن يخبرنا من نحن، ولو من خلال رواياتنا المعاصرة في مختلف البطاح العربية ليبقى هو الصوت الوحيد، الصوت الذي لم يحرق نفسه بنفسه، الصوت الناقد الحقيقي، في ساحة النقد الأدبية.
مقالات أمينة العدوان
في الرواية العربية المعاصرة
سمر روحي الفيصل
جريدة الثورة السورية
ترى أمينة العدوان أن السمة المشتركة للروايات التي حللتها في كتابها ” مقالات في الرواية العربية المعاصرة” (عمان – 1976) هي تقديم رؤية نقدية وواقعية للمجتمع العربي بكل ما يزخر به من قضايا اجتماعية وسياسية، وأن هذه القضايا قد انعكست على بناء الشخصية وطرائق تفكيرها وتباين مواقفها ويبدو أن هذه النتيجة التي انتهت إليها الكاتبة الأردنية ليست دقيقة تماماً كما يتضح من تحليلها الموجز للروايات ولكنها، على وجه العموم نتيجة صحيحة، تشير إلى أن الروائيين العرب قد ركزوا اهتمامهم على قضايا الواقع الاجتماعي، وبالذات على الوجه السياسي من هذا الواقع.
ثمة نتيجة ثانية انتهت إليها أمينة العدوان هي أن شخصيات الروايات عموماً شخصيات أصابها العقم نتيجة القمع الذي يفرضه المجتمع عليها، وبالتالي فإن هذه الشخصيات تجابه مجتمعاً ليست لديها قناعة به، وليست قادرة في الوقت نفسه على تنفيذ قناعاتها الخاصة فيه، ومن ثم تنتهي إلى العقم الماثل في هربها من الواقع، أو الاستسلام له، أو التقوقع داخله، أو الخيانة أو الانتقام أو اللامبالاة، وما إلى ذلك من الوسائل الدفاعية التي تتحصن الذات وراءها.
من البديهي أن يتجاوز المرء المأخذ الأساسي على كتاب مقالات في الرواية العربية المعاصرة، وهو أن المؤلفة لم تلتفت إلى اختيار روايات معنية تعبر عن اتجاه فكري محدد، أو تترجح بين مجموعة اتجاهات بينها آصرة قربى في الفكر. ذلك أن المرء لا يطالب الكتاب بما ليس فيه أصلاً. والواضح أن أمينة العدوان قد انتقت – دون هدف محدد – مجموعة من الروايات العربية، ثم أخذت تحللها تحليلاً موجزاً في ثوب المقالة. ومن هنا كانت تسميتها للكتاب دقيقة أمنية، من غير ادعاء أنها تقول كل شيء، أو أنها تدرس رواية واحدة من الروايات الثماني عشرة التي يضمها الكتاب.
في اعتقادي أن الكتاب مجموعة من المقالات كتبت في أوقات متباعدة، ثم جمعتها المؤلفة بين دفتي كتاب واحد ولهذا فقد الكتاب منهجاً نقدياً محدداً تنظر الكاتبة من خلاله إلى الروايات كلها. على أن المرء إذا وضع في ذاكرته كون المؤلفة لا تريد من الكتاب أن يقدم دراسات عن الروايات، وإنما مقالات عنها. إذا التفت المرء إلى هذه الناحية فإنه سيغض الطرف عن قضية المنهج، ويروح يشكر للمؤلفة نظرتها النقدية الصائبة المتفرقة أشتاتاً في مقالات الكتاب، كما في حديثها عن رواية “الأشجار واغتيال مرزوق” للدكتور عبد الرحمن منيف، ورواية (المستنقعات الضوئية) لإسماعيل فهد إسماعيل، ورواية (أنت منذ اليوم) للروائي الشاعر المرحوم تيسير سبول.
تعير أمينة العدوان مضمون الروايات أهمية كبيرة، فتروح تحلل بعمق ودقة المضامين الفكرية، وتحدد اتجاهات الأحداث والشخصيات، وترسم معالم الطريق أمامها، وتنقد مواقفها الذاتية دون أن تنسى الظروف الموضوعية المحيطة بالشخصية. فالدكتور منصور عبد السلام، أحد شخصيات رواية الأشجار واغتيال مرزوق (يرفض الاستلاب والإلغاء والغياب، ويرفض أن يتحول إلى نموذج متشابه ومكرر عن شخصيات الآخرين، أو أن يتحول إلى مجرد رد فعل وتكرار لتفكير وآراء الآخرين كما يرفض الذل والخضوع والخوف والكذب والمصالحة والتواطؤ مع زيف وتفاهة الواقع) (ص ). على أن المؤلفة تعي كون هذا الرفض نابعاً من إرادة مؤلف الرواية نفسه، ولهذا لا تكفي بالتحليل المتقدم لشخصية الدكتور منصور عبد السلام، وإنما تروح تنقد المؤلف (الدكتور عبد الرحمن منيف) حين استبعد الحلول التي تؤدي إلى خلاص الشخصية مما هي فيه، وتتساءل عن السبب الذي جعل المؤلف يلجأ إلى دفع شخصية الدكتور منصور إلى الانهزامية والهرب من الواقع، وتطرح رأياً سديداً في ذلك، هو أن النهاية الانهزامية لشخصية الدكتور منصور قد منعت انتحاره، وبالتالي فإن شخصيته ليست ثابتة، بل هي وجهة نظر فردية غير واضحة.
إن أمينة العدوان لم تكتف في أية رواية من الروايات التي حللتها بالحديث عن مضمون الرواية، بل وقفت عند الشكل الفني لها من حيث استخدام السرد أو التقطيع أو التداعي أو اللغة أو الحوار أو الجمل والتراكيب، وما إلى ذلك، غير أن تلك الوقفات كانت موجزة وسريعة، كما في حديثها عن رواية (تلك الرائحة) لصنع الله إبراهيم، ورواية (الحبل) لإسماعيل فهد إسماعيل، وأحياناً قليلة تهمل ذلك، كما في رواية لم نعد جواري لكم لسحر خليفة.
ويبدو أن المرء، هنا في حاجة للقول أن ذلك الاهتمام السريع لا يشير إلى أن المؤلفة ترى أهمية الشكل في صوغ المضمون، وفي أماكن من الكتاب يشعر المرء أن المؤلفة مؤمنة بأن المضمون هو الذي يختار شكله الخاص مما يدل على إيمان بمقولة نقدية صائبة يعيرها النقد الماركسي أهمية خاصة. وربما كان قصر حجم المقالات هو الذي دفع المؤلفة إلى تقزيم الحديث عن الشكل الفني لكل رواية.
إن النقد الأدبي في الأردن ما زال بعيداً عن المشاركة في التعريف بالأدب الأردني، وتحديد إسهاماته في الأدب العربي عموماً. وبعيداً عن العطاءات النقدية للدكاترة محمود السمرة وناصر الدين الأسد وهاشم ياغي، فإن المرء يلمح بوضوح أثر العلاقات الشخصية في النقد، ويلمس آثارها السلبية على النتاج الأدبي. ومن الطريف أن نقرأ عن كتاب مقالات في الرواية العربية المعاصرة آراء متناقضة لا نستطيع أن نخرج منها بتقييم محدد للكتاب، لأن النقد الأدبي، أصلاً، أخفق في تقويم الكتاب وتقييمه. وفي الشهر الفائت قرأنا في مجلة الموقف الأدبي السورية العدد 81 رأياً من هذه الآراء يقول صاحبه أن دراسات أمينة العدوان في الكتاب المذكور لا تخلو من طابع التشويش اللغوي. فالقارئ يمسك ببداية الدراسة، ويحاول أن يستمر فيها للخلوص بشيء، إلا أنه يعجز بسبب التفكك اللغوي، وانعدام الوضوح النصي. ومما يعجب له القارئ أن المؤلفة تدخل في محاولة تفسير القصة وتقويمها، بدون أن تعرف القارئ بأحداثها أو شخصياتها أو حتى مؤلفها (الموقف الأدبي – ص ). والطريف في الأمر أن الناقد لم يقرأ الكتاب المنقود، أو أنه يرغب في التقليل من أهميته وأهمية صاحبته لأسباب لا نعلمها. ومن حسن الحظ أن الكتاب بين أيدينا ولا يوجد فيه ما يشير إلى رأي الناقد. وهذا الأمر إن دل على شيء فإنه يدل على هلامية مفهوم النقد الأدبي عند بعض النقاد الأردنيين، وسيادة عنصر العلاقات الشخصية على النتاج النقدي. ولقد سبق لي قراءة كتاب نقدي للناقد صاحب الرأي السابق، وعنوان الكتاب (الشعر المعاصر في الأردن) فلاحظت أن الناقد المذكور يهاجم النقاد الذين درسوا شاعراً يتناوله هو بالدراسة، في محاولة منه لإعلاء شأن كتابه ونقده، وليس بغريب أن يكون هذا المنحى عاماً في نقده كله. لا نريد أن نقول أن النقد في سورية أحسن حالاً من حيث ابتعاده عن العلاقات الشخصية، ولكننا ما نفتأ نخاف على النقد الأردني الوليد أن يصاب بالكساح في أيامه الأولى، في حين أن النقد الأدبي في سورية بدأ يتخذ سمات واضحة. ومما يؤسف له أن بعض النقاد الأردنيين يحاولون تعميم الجانب السلبي من صورة الأدب الأردني المعاصر، دون أن يكون لدى القراء خارج الأردن ما يجعلهم يحاكمون الأمر بموضوعية.
مقالات في الرواية المعاصرة
وطبيعة المنهج النقدي عند أمينة العدوان
بقلم غازي التدمري – حمص – جريدة أخبار الأسبوع
في المواقف النقدية الجادة المعبرة عن روح الحدث بكامل معاناته لا بد أن يتحول الناقد إلى قاضٍ تتوضح أحكامه النقدية العامة من خلال النزاهة والموضوعية اللتين تفرضهما طبيعة التعامل النقدي مع الآثار الفنية المعتمدة على الحساسية المرهفة والدقة المتناهية في سير أغوار الأحداث الفنية وقد تضافرت فيما بينها لتشكل عملاً فنياً ما.
فيأتي الناقد الجاد بمواصفاته الموضوعية السابقة ليعيد الخطوط التائهة.. ويربط الجوانب المتباعدة خلف السطور ليكون منها مسار الحدث وطبيعة التجربة.. ونوعية المعاناة.. بعد أن أخذت بعداً ما في مساحة الفكر عموماً.
ففي العمل المسرحي أو الروائي وحتى في القصصي فإن المحاكاة النقدية فيهم تختلف كماً وكيفاً عن الشعر.. لأن الأعمال الأولى ترتكز على الحدث مباشرة.. فيتشكل لديها مجموعة من نقاط الارتكاز الموحدة التي تشع من الخطوط التي تفترق وتلتقي في مسار الحدث.
أما في الشعر فالتناول النقدي يكون من رؤيا واحدة ترتبط غالباً بالمعاناة الداخلية.. وبعواطف تتأزم من فعل المعاناة.. فتؤثر فيها حسب حجم الحدث وطبيعة التجربة. ومن هنا كان الدخول في عالم الرواية أو القصة دخولاً صعباً.. يبدأ من باب ضيق لعالم رحب تحتله مجموعة من الشخصيات الرئيسية والفرعية المتفرعة عن الحدث.
– نقاط ارتكاز العمل – ولذلك بأن تجربة النقد الروائي لم تكن خلفها نفس مرهقة وحس دقيق.. وذوق حاد فإن العديد من الجزئيات تختفي عن عين الناقد.. فتحرم العمل بعض أهميته الفنية ولعل من أهم المناهج النقدية المستحبة في مثل هذا التعامل هو النهج الواقعي التحليلي الوصفي الذي يساعد الناقد على الوصول إلى أعماق الحدث.. وكامل جزئياته فيربطها بمسار فني عام لا تبتعد المعاناة فيه عن الحدث كما لا تسع لتخفي الاتجاهات الفنية المعتمدة في صياغة الأثر هذا المنهج النقدي كان وسيلة الناقدة العربية الأردنية “أمينة العدوان” في كتابها “دراسات في الرواية العربية المعاصرة” حيث سبرت كامل الاتجاهات ووضعتها في محور واحد استطاعت خلاله أن ترسم دائرة بيضاء حول طبيعة النقد في دراساتها الجديدة.. ومع أن النقد ليس من الأمور السهلة.. وليس من القضايا التي يمكن تجاوزها لأنها تضيف إلى نظرة الناقد نظرة أخرى تتوسع في تحليل جزئيات العمل فتكون النظرتان لصالح الحدث ذاته.
ومع أني لم أطلع على معظم الأعمال التي تحدثت عنها الأديبة الناقدة إلا أن المسار النقدي العام والطريقة التي تعاملت فيها على آثارها والاتجاه المنهجي المتبع في دراسة هذه النصوص إن كنا على تقنية نقدية جادة وجديدة في التعامل النقدي مع فن الرواية والقصة، حيث رسمت ظلال الاتجاهات الفنية في الآثار بعد أن توصلت إلى دقائق الشخصيات التي رسمها مؤلفوها بكل عناية، فأخرجت دوامن عواملها.. وكشفت عن طبيعة صراعها مع نفسها على المحور الداخلي ومع الحياة والمجتمع على المحور الخارجي ثم ربطت المحورين بمحور فني جديد أوضحت خلاله معالم التحرك الجماهيري العام خلال حملات نقدية هادفة لمعظم الأحداث المرتكزة في الأعمال المنقودة من زوايا صراعها مع الواقع العام الذي تجابهه الأمة خلال فترات عصيبة من حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ففي رواية “أنت منذ اليوم” تقول في نهاية أحكامها. لا تقييم أخلاقي لمرحلة تاريخية يائسة مر بها الشعب العربي” وتوجز حكمها النهائي على رواية الأشجار وعينا مرزوق فتقول إنها “نموذجاً جديداً للشخصية المسحوقة والمستلبة إذ تنفي هذه الشخصية الرافضة جميع النماذج الروائية المستلبة التي صدرت في الأدب الروائي العربي.
مقالات في الرواية العربية المعاصرة
عبود كخو – جريدة الثورة السورية
النقد عملية إبداعية شأنه شأن الشعر وبقية الأجناس الأدبية الأخرى، والفارق بين النقد كعملية إبداعية وبين الأجناس الأدبية الأخرى هو أن الناقد يستطيع أن يتعامل مع كل الأجناس الأدبية على خلاف الشاعر والقاص.
إذاً: فالنقد موهبة قبل أن يكون ثقافة وإن كانت الثقافة هي الأرضية الصلبة التي ينطلق منها الناقد الفنان وهو يجوس خلال العمل الأدبي.
الثقافة تساعد على اتساع دائرة الوعي لدى كل فرد بحيث تصبح رافداً يرفد الذوق المبدع أو الموهبة – بمعنى من المعاني – وتساعده على استجلاء وتمحيص العمل الأدبي.
وللتدليل على ذلك فإنه ليس باستطاعة كل مثقف أن يكون ناقداً، وما أكثر ما تعلكه الأقلام من ركام في الساحة الأدبية ومع ذلك فالنقد في أزمة باعتراف الكثيرين. ولعل ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى ما قدمنا.
من هذا المنطلق أقول : إن الناقدة الأردنية الشابة أمينة العدوان ناقدة موهوبة ومثقفة في آن واحد، أو هذا هو الانطباع العام – على الأقل – الذي خرجت به بعد مطالعتي لكتابها “مقالات في الرواية العربية المعاصرة” فقد استطاعت أن تقدم للقارئ عملاً نظيفاً أقل ما يقال فيه أن خلاصة ذوق وجهد وفضول معرفي واعٍ.
لقد تغلغلت أديبتنا في أعماق الشخصيات الروائية في أسلوب المحلل البارع، والعارف بمواطن القوة والضعف في النفس البشرية وهي في أشد حالاتها توتراً مستقصية كل الجزئيات التي تساعد على إبراز الحدث ومعطياته.
وقد اختارت الناقدة الأعمال التي تناولتها اختياراً ذكياً، حيث ركزت اهتماماتها على الأعمال التي تناولت أشد الفترات قتامة في التاريخ العربي الحديث، لذلك نرى أن كتاب “مقالات في الرواية العربية المعاصرة” من الكتب النادرة في المكتبة العربية، فقد استطاعت الناقدة أمينة العدوان أن تسد فراغاً في المكتبة العربية بتناولها للأعمال الروائية التي عالجت قضية من أخطر قضايا الأمة العربية وهاجسها الدائم وهي قضية فلسطين في روايتين “الكابوس” لأمين شنار التي صور فيها الواقع العربي بعد نكبة عام 1948، ورواية “أنت منذ اليوم” لتيسير سبول وهي إحدى الروايات التي صورت الواقع السياسي والاجتماعي بعد نكسة عام 1967، إلى جانب الأعمال الروائية التي صورت سلبيات مجتمعنا العربي.
والحقيقة أن النتاج الروائي الصادر بعد النكسة والمثقل بهموم تلك الفترة وما تركته من نتائج بالغة التأثير على تفكير الإنسان العربي وأنماط سلوكه، لم يحظ بالاهتمام الكافي من النقاد والدارسين على عظيم خطره لقد أحدثت النكسة هزة صاعقة في الوجدان العربي بعد فترة استرخاء وركون غير منطقي إلى الآمال التي من شأنها أن تفرغ الشحنة المتوثبة في النفس البشرية، وتنتهي بالإنسان إلى خواء فكري يرى من خلاله بريق الشعارات الجوفاء تأخذ الأبصار.
من هنا كانت نكسة عام 1967 هي بداية التحول الحقيقي في تفكير الإنسان العربي، وارتباط هذا التفكير بالفعل.
وقد انصبت اهتمامات الناقدة الشابة على المضمون في العمل الروائي دون الشكل – عدا بعض التلميحات – ولعل اهتمامها بالمضمون على حساب الشكل في عملها هو الذي حدا بها إلى التحرر من منهج عام في بحثها واستقصائها، فقد دأب نقاد الأعمال الروائية على تقديم ملخص للرواية بادئ ذي بدء، ومن ثم يتناولن الشكل والمضمون – كل على حدة – حسب مقاييس مدرسية أو أكاديمية كما يقولون، وكثيراً ما تأتي هذه الأعمال – رغم قيمتها – على حساب وظيفة الفنون الأدبية ورسالتها.
إذ أنه من الملاحظ أن الناقدة أمينة العدوان كانت تستجلي النزعات الكامنة في شخوص الرواية والواقع المرذول الذي يكتنف تلك الشخوص، وبذلك تساعد على خلق تفاعلات مضيئة في نفس المتلقي، وتدفعه للوقوف وجهاً لوجه أمام السلبيات في البنى الاجتماعية المتخلفة بكل ما فيها من مظاهر الاستلاب والقهر ومصادرة الحريات. وهذا ما يدفعنا إلى القول: بأن الناقدة الشابة تطمح أن تشارك – ولو بقسط يسير – في تثوير الواقع بحيث تنتفي كل المظاهر التي تؤدي إلى إلغاء الفعاليات الاجتماعية التي تحد من انطلاقة الإنسان العربي.
دراسات في الأدب الأردني المعاصر
إبراهيم العجلوني – جريدة الرأي
مثل من يتصور وجود نقد تطبيقي كامل – كمثل من يتصور وجود نظرية كاملة، كلاهما يعوزه الشمول في الرؤية وينقصه تمثيل وافٍ لمعاناة الكتاب في متابعة الأعمال الأدبية ودراسة خصائصها الفنية ومضامينها الفكرية، واقتناص الملامح المشتركة أو المتباينة فيها.
ذلك أنه لا بد من جهد دائب وصبر طويل، ليتم إدراج هذا الكله في سياق منهجي، يتيح للناقد سيطرة على موضوعه وقدرة أكبر على بسطه وتقديمه للقارئ، الأمر الذي يتجنبه كثير من النقاد، لما فيه من تعب ودأب من جهة، ولما يتطلبه من موضوعية واستطاعة من جهة أخرى.
من هنا وبالنظر إلى افتقار الساحة الأدبية في الأردن إلى أعمال نقدية جادة، تتبين لنا أهمية كتاب أمينة العدوان الجديد “دراسات في الأدب الأردني” الذي يكاد يكون استقراءً كاملاً لكافة الأعمال الأدبية في فترة غير قصيرة من تاريخ الأردن، ومسحاً أدبياً رائعاً نحن في أمس الحاجة إليه إذا كان بعض الناس قد آلوا على أنفسهم تتبع عثرات العاملين واشتغلوا بمراقبة الهنات الضئيلات عن جواهر الأمور فإن شأن من يحترمون أنفسهم ألا يسقطوا في هذه الوهدة التي حفرها الحقد، وأن يحترموا كل عمل جاد على وجه العموم وهذه المحاولة الأولى من نوعها على وجه الخصوص.
إن لأمينة العدوان قدرة فائقة على تقصي الأعمال الأدبية المحلية وتشريحها وإعادة تقديمها إلى القارئ مما يعطي كتاباتها صفة وثائقية.
إن لأمينة العدوان شغفاً لا ينكر في استقصاء جزئيات العمل المنقود وفي دراسته بأناة، وفي الوقوف ملياً إزاء بنائه الفني، وتلك هي ميزة الناقد الأصيل الذي يسبر أغوار النصوص ويستخلص من ثم حيثيات حكمه فإذا جاء هذا الحكم جاء ناضجاً صائباً فلطالما نجح أكثر من ناقد في بسط النظريات وشرح الاجتهادات الجمالية، حتى إذا أتى دور التطبيق، بدأت ونشأت خلال معايشة النصوص مشاكل لا تحصى.
مثال ذلك، تلك الخلاصات التي ركزت فيها الكاتبة رؤيتها للأعمال الفنية في نهايات الفصول، فهي بؤر تجمعت فيها نظرات الكاتبة إلى ما تعالجه بالتفصيل من قصة أو شعر أو مسرح، بحيث لا تترك القارئ حائراً أمام العمل الفني، باختلاف دلالاته وتواؤمها مع معطيات الواقع أو رفضها له.
إنها أمانة والتزام بالدرجة الأولى، وشعور يواجب احترام المتلقي بالدرجة الثانية وحبذا لو احترم كثير من كتابنا قراءهم كما توفر ذلك في كتاب أمينة العدوان.
وإذا لم يكن من ميزات في هذا الكتاب الجريء، إلا ما سبق ذكرها، فإنها كافية للنهوض به كعمل جدير بالاعتبار غير أن فيه إلى جانب ذلك ضرورياً من التحليل الاجتماعي والنفسي والفني تضفي عليه أهمية كبيرة من حيث إضافته النوعية إلى مستوى الكتابة النقدية في الأردن.
دراسات في الأدب المعاصر
د. حسين جمعة
لقد تمكنت الناقدة في مقالاتها هذه التي ينتظمها خيط واحد وتلتقي جميعاً في محصلة واحدة وهي مقت الظلم الاجتماعي والحدب على الطبقات المسحوقة أن تتغلغل في أعماق المجتمع وأن تظهر مدى انسحاق الإنسان وخضوعه في المجتمع الطبقي وعدم قدرته على تحقيق ذاته والاحتفاظ بكرامته وإنسانيته.
في هذا الكتاب، تحليل عميق لشخوص الأعمال التي تناولها المؤلف، واستبطان حصيف لأعماقها ومجرى مصائرها، وتبيان المسببات التي أفضت إلى انهيار قيمها ومثلها بأسلوب المتعاطف معها، والرافض كل ما يحد من انطلاقها واندفاعها على طريق البذل والتقدم والنمو العطاء.
وتستمد هذه المقالات قوتها من إيمان الكاتبة العميق بانتصار الحياة على الموت، والعمل على القول بإلقاء الأضواء الكاشفة على النتاج المحلي من شعر وقصة ومسرح في السنوات الأخيرة.
إنه كتاب قيم يجمع بين دفتيه مادة ثرة يفيد منها القارئ والدارس على السواء.
(* ) مقالات في الرواية العربية المعاصرة و “دراسات في الأدب الأردني المعاصر”.