في الوقت الذي يتبادل فيه بعض الشعراء العرب المعاصرين التأثر والتأثير، وفي الوقت الذي أصبح فيه الشعراء العمالقة أساتذة بمدارس شعرية يتتلمذ فيها بعض هواة الشعر، أصبح من العسير على معظم الشعراء أن يكتبوا باستقلالية تامة، أو أن يكون لكل منهم أسلوبه وقاموسه اللغوي الخاص به، غير أن الشعراء الحقيقيين والأصلاء، يبدعون الجديد والمستقل، ويستطيعون التأثير بغيرهم دون أن يتأثروا.. نسوق هذه المقدمة، بعد الإطلاع على دواوين الشاعرة أمينة العدوان: وطن بلا أسوار أمام الحاجز، غرف التعميد المعدنية، فقدان الوزن، قصائد للانتفاضة، من يموت، أصوات ثائرة (مشترك)، الأعمال الشعرية الكاملة، وأخيراً ديوان (أحكام الإعدام) الصادر في عمان عن دار الينابيع للنشر والتوزيع.. ففيه تتألق أمينة العدوان شعرياً، وتتجلى فنياً، تنتقي من اللغة أكثر مفرداتها إيقاعاً وحماسة، ومن الصور الشعرية أكثرها تحليقاً وخصباً وعطاءً، فتواكب أحدث المعطيات الجمالية للشعر العربي المعاصر، غير أنها كعادتها تحافظ على تميزها وتفردها واستقلاليتها على الصعيد الفني، أما على الصعيد الموضوعي، فهي من أكثر الشاعرات العربيات التزاماً بالهموم الوطنية لشعبها ولأمتها العربية، لذلك نراها تشجب وتدين وتنتقد وتسلط سهام الحقد للأعداء وللطامعين بالأرض المحتلة.. نراها تقف إلى جانب العراق، وتناصره، وتدين الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، أما فلسطين، والانتفاضة، فهي ذات الحظ الأوفر في شعر أمينة، فهي تتوقف عند الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الضفة الغربية، وتتحدث شعراً عن الشهداء، والمعتقلين، والجرحى، عن الأطفال الأيتام وعن الأرامل من زوجات الشهداء، عن المنسوفة منازلهم، والمغلقة مؤسساتهم التعليمية، والصحية، عن حظر التجول ومنع السفر.. وعن كل ما لا يخطر لغير أمينة على خاطر.. هذا هو هاجس أمينة وشغلها الشاغل يُضاف إليه إشادتها بالمقاومة، وبرجالها، وبكل المناضلين والصامدين.
وهكذا هو دأب أمينة في قصائدها، تشارك المدن العربية المحاربة في نضالها، وتعرض المدن المتفرجة وتحثها على المقاومة، إنها شاعرة مجددة على صعيد أدب المقاومة خصوصاً، وأدب المواجهة عموماً.. يقول الدكتور حسين جمعة في خاتمة هذا الديوان: “شعر أمينة ضرب من النثرية المحببة التي تجعل من الخواطر المتسارعة لوناً من الشعر الحانق المدمر، إنه ثورة عارمة متفجرة، ومدمرة، يقلب أحزان الأمة، ويدين هشاشتها، وسواد عيشها وقلة حيلتها وضعف إرادتها وتخاذلها أمام عدوها الغاشم، فتحس به وكأنه نغمة حادة قاسية تثير الأشجان، وتدفع إلى التفكير بكل ما يجري من أحداث، فتقيد الحماس في الصدور، ويتأجج التحفز في العقول والقلوب”.
لقد كتبت أمينة العدوان الخاطرة الفلسفية، فكان كتابها (محدودات بلا حدود)، وكتبت الدراسات النقدية، فكان كتاباها: مقالات في الرواية العربية المعاصرة، ودراسات في الأدب الأردني المعاصر، وكتبت القصة، فكانت قصتها: سعادة المدير، وتقلدت أمينة العدوان مناصب كثيرة كان من بينها: رئاسة تحرير مجلة أفكار، ورئاسة القسم الثقافي في وزارة الثقافة، وعضوية الهيئة التأسيسية لرابطة الكتاب الأردنيين وعضوية الهيئة الإدارية أيضاً.. فكان هذا التنوع في الإنتاج دليل على أن أمينة غير أحادية النظرة، وكان تنقلها بين المناصب الثقافية المتنوعة، دليل غنى في التجربة والدربة، ودليل أنها مؤهلة لهذه المناصب القيادية الرفيعة.. وقد انعكس ذلك كله على شعرها.. الذي يعكس ثقافتها الواسعة والمتنوعة والغنية، والذي يؤكد مقدرتها وتمكنها من إعادة صياغة كافة المواقف الوطنية والسياسية شعراً.
بقي أن نقول أن أمينة العدوان من أكثر الشعراء العرب تأثراً بالإحباطات والنكسات التي تتعرض لها أمتنا، غير أنها تستسلم للواقع المنهزم، فسرعان ما تدعو شعرياً للنهوض وللصمود وللرفض والمقاومة، وبالتالي، فإن شعر أمينة، ينتمي للشعر التحريضي المقاوم، وللشعر الذي يضيء شموع الفرح في الظلام، وللشعر الذي يفضل الفعل على الكلام والاستسلام.